فيما كان رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود يتفق مع رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن على لقاء يجمعهما الاسبوع المقبل لكسر الجليد بين الهيئات الاقتصادية والعمالي، والذي تراكم بفعل تباعد وجهات النظر في مسألة تصحيح الاجور، كان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مجتمعا بالجناح المعارض للقيادة العمالية في الاتحاد العمالي العام للبحث في المسألة عينها.
تحرك الامس يدعو الى التساؤل عن جدية اللقاءات الجانبية، في وقت تمّ احباط اجتماعات لجنة المؤشر التي هي الاساس في رصد المؤشرات العلمية في هذه المسألة؟. فما جدوى الاجتماع مع جزء من الاتحاد العمالي فيما الجزء الآخر مغيباً؟ وكذلك ما جدوى الاجتماع بين العمالي والهيئات في غياب الدولة الشريك الثالث لأطراف الانتاج؟ ومن يضمن تنفيذ تسويات الحلول في ظل تحلل السياسات المعتمدة، وهل لحق التسييس بملف الاجور؟
بعد أقل من اسبوع على اجتماع لجنة المؤشر الذي فشل بسبب إصرار فريقي الانتاج على إرقامهما من جهة، وتغيّب مندوبي وزارة المال والاحصاء المركزي من جهة أخرى، استدعى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة "هيئة الانقاذ النقابية" في الاتحاد العمالي للبحث في مسألة تصحيح الاجور، وقد أفضى اللقاء الى موقف مرن من عضو الامانة العامة للهيئة موسى فغالي الذي قال إنه لمس من السنيورة "شعورا وتحسسا بالمسؤولية"، وحمّل المسؤولية لوزير العمل المستقيل طراد حمادة الذي من المفترض "ان يرفع اقتراحا الى مجلس الوزراء، ويصدر في ضوئه قرار في هذا الشأن"، وهذا الامر لم يحصل حتى اليوم. وقبل ان تستكمل الخطوات، لا يحق لنا الاعتراض ولا المهاجمة ولا الانتقاد".
أما الرئيس السنيورة فأكد خلال الاجتماع "أن الحكومة مدركة حجم الضغوط التي يتعرض لها المواطن وخصوصا النسبة الكبيرة من العائلات اللبنانية من ذوي الدخل المحدود، إذ إن ارتفاع الأسعار عالميا لعدد من السلع انعكس على مستوى أسعار تلك السلع في لبنان وبالتالي على القدرة الشرائية لتلك العائلات". وقال: "رغم ذلك، فان الحكومة عملت على احتواء جزء من تلك الزيادات الحاصلة على أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية وهي تجهد من اجل تحسين مستوى عيش اللبنانيين رغم الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها البلاد، وقد شجعت على عقد اجتماعات لجنة المؤشر وهي تشجع على استمرار الحوار بين العمال وأرباب العمل تمهيدا للوصول إلى نتيجة تستطيع البلاد أن تحقق من خلالها أفضل الممكن بالنسبة الى جميع الأفرقاء ولا تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني ولا على المستوى الحقيقي لعيش اللبنانيين". ورأى "ان الوصول إلى نتيجة تخدم الجميع في حاجة إلى تعال عن الأغراض السياسية وإبعاد لقمة عيش الناس عن التسييس. لذلك، فإن الحركة العمالية في لبنان مدعوة إلى النظر بموضوعية وواقعية إلى مصالح المواطنين والبلاد، وتاليا فإن المبالغة في طرح الأمور لن تكون لمصلحة المواطنين. كما إن التركيز على جانب من جوانب الأزمة المعيشية ومن دون النظر إلى الأمور من كل جوانبها خصوصا حيال حال الاستقرار في الأوضاع الأمنية لن يخدم مصلحة المواطنين، فالأسعار ارتفعت لكن ثمة اسبابا أخرى لاستمرار الأزمة المعيشية وليس آخرها إقفال الوسط التجاري، وتاليا قفل أبواب الرزق أمام الناس ومنع تحقيق النمو في الاقتصاد الوطني، وكذلك اقفال أبواب مجلس النواب أمام النظر في المشاريع الاستثمارية الجديدة التي تعود بالنفع على المواطنين والحركة الاقتصادية". وقال: "إن تراجع القدرة الشرائية للمواطن كبرت بسبب الضغط السياسي الذي يتعرض له الاقتصاد من أطراف معروفة ولأهداف معروفة، وهي تتركز في اقفال النوافذ من أمام المواطنين وإشعارهم بالضغط والحصار ومنع البلاد من التطور والنمو". أضاف: "ليس المهم فقط ان نقر زيادة على الرواتب، لكن المهم ان تكون المؤسسات الإنتاجية اللبنانية قادرة على احتمال هذه الزيادة خصوصا ان نسبة كبيرة من المؤسسات لا تعمل حسب كل طاقتها الإنتاجية ولا على المستوى المؤمل من طاقتها. كما أن الأعباء الموضوعة على أكتاف الاقتصاد والمؤسسات اللبنانية كبيرة وكبيرة جدا، ومن واجب الحكومة النظر إلى مصالح كل الأطراف كي تستقيم الأمور ولمصلحة الجميع". وشدد على "ان الحكومة تشجع أطراف الإنتاج على التوصل إلى اتفاق لزيادة الرواتب والأجور وخصوصا لأصحاب الدخل المحدود". وأكد "إننا نريد الوصول إلى تحسين حقيقي في مستوى عيش اللبنانيين من دون ان نخسر الميزات التفاضلية لاقتصادنا ومن دون زيادة كبيرة في الأعباء على الاقتصاد كي لا يدخل الاقتصاد الوطني في دوامة التضخم التي لا سمح الله، إن عادت، فإنها تكبد البلاد والعباد خسائر حقيقية كبيرة لا يمكن تحملها خصوصا لدى أصحاب الدخل المحدود الذي ينبري الكثيرون للدفاع عن مصالحهم شكلا وبالشعارات وتكبير الكلام وليس أكثر". وختم: "إن الحل الفعلي هو بإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد وإفساح المجال أمام المؤسسات للعمل على نحو طبيعي لزيادة فرص العمل وزيادة الإنتاج وتحقيق النمو الحقيقي والمستدام، وذلك مدخله انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإلا مهما تكن نسبة الزيادة مرتفعة، فمن دون العودة إلى انتظام عمل المؤسسات فإن الأزمة ستبقى تتفاعل على نحو سلبي.
الهيئات والعمالي
على خط مواز لاجتماع السنيورة - المعارضة العمالية، جرت المساعي بين الهيئات والعمال لـ "رأب صدع العلاقة التي شهدت توترا من أجل اعادة ملف الاجور الى السكة الصحيحة". فهل تنفع هذه الجهود في اعادة الحياة الى لجنة المؤشر التي لفظت أنفاسها الاسبوع الماضي بعد فشلها في تقريب وجهات النظر؟
في الاجتماع ما قبل الأخير للجنة المؤشر، تم الاتفاق على مبادئ أربعة منها ضرورة زيادة الحدّ الأدنى للأجر واحتساب زيادة غلاء المعيشة خلال العامين الاخيرين، ولكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير في الاجتماع الاخير هي في تحديد نسب الزيادة حيث تمترس كل من الطرفين وراء أرقامه، مع الاختلاف الشاسع في الأرقام المعروضة من الاطراف المتحاورين.
عندما فشل الاجتماع الاخير للجنة المؤشر كان رئيس جمعية الصناعيين خارج البلاد، وعند عودته بادر الى الاتصال برئيس الاتحاد العمالي للإطلاع منه على التفاصيل وتم الاتفاق على لقاء بينهما الاسبوع المقبل ولكن من دون تحديد تاريخ محدد.
عبود أكد في إتصال مع "النهار" ضرورة متابعة الحوار بين الهيئات والعمالي كونهما يكملان بعضهما البعض، لا ضرورة للاصرار على وجود الدولة كشريك في هذا الموضوع". وهو إذ لم يفقد الامل في إمكان التوصل الى حل يرضي العمال والهيئات، استغرب ما سرب من الأوساط الحكومية عن إمكان زيادة الاجور خلال فترة قصيرة، فقرار زيادة الأجور يحتاج الى قانون وتاليا فتح أبواب مجلس النواب للمصادقة عليه، وكل ما يجري خارج هذا السياق هو مضيعة للوقت".
ولفت الى ان الهيئات طرحت فكرة إعطاء سلفة على غلاء المعيشة بنحو 100 ألف ليرة في انتظار الحلول السياسية وإعادة العمل في مجلس النواب، لكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح جدياً من جانب الاتحاد العمالي".
وإذ لم ينفِ ان حجم هذه السلفة ضئيل جدا مقارنة مع الارتفاعات المتتالية للأسعار، فقد اشار الى أن الحد الادنى للأجر يجب أن يصبح مليون ليرة ولكن في المقابل لفت عبود يطالب عبود بحماية الإنتاج الوطني، ودعم السلع الأساسية في ظلّ المنافسة المحتدمة، وخصوصا بعدما تعدى سعر صفيحة البنزين الـ20 دولارا، علما أن في سوريا تبلغ 2 دولار. داعيا الى انتاج سلع تنافسية ليشتري لبنان السلع الوطنية عوض الأجنبية، فهو أغلى بلد بين الدول العربية التي تعتمد التجارة الحرة.
بعد الاجتماع الاخير للجنة المؤشر، أعلن الاتحاد العمالي الاضراب العام في 7 ايار المقبل إذ "لا مجال للتفاهم أو الحوار مع الهيئات الاقتصادية عبر ممثليها خصوصا إزاء إصرارهم على أرقامهم التي رأى فيها مهزلة واستخفاف، فهل يعود عن قراره بعد اتصال عبود؟ غصن جاهز للقاء عبود في وقت يختاره الاخير ولكن على اساس التفاوض على رفع ارقام الهيئات الى مستوى مقبول من طرفنا، ويلبي الواقع الحقيقي لتدني الاجور وغلاء المعيشة، وإلا يكون اللقاء مجرد لقاء للسلام والكلام".
وما هو رأي الاتحاد في الارقام التي تطرحها الهيئات؟ غصن أكد أن الحديث بهذه الارقام هو مهزلة واستخفاف، وإذا لم يتم التعامل مع هذه المسألة بشفافية وواقعية أكثر فإننا ذاهبون الى الاضراب العام التحذيري في 7 ايار المقبل، وصولا الى الاضراب المفتوح حتى تحقيق مطلب تصحيح الأجور ورفع الحد الأدنى بالنسب العادلة والمتراكمة منذ عام 1996".
ويتهم غصن الحكومة انها تمارس سياسة كيدية على الشعب اللبناني لمزيد من الافقار والتجويع، معتبراً ان مقاطعة الحكومة لاجتماعات لجنة المؤشر لها بعد سياسي والا لماذا لم تحضر لمناقشة اهم موضوع لدى مختلف قطاعات الشعب؟ ولماذا لم تصحح الاجور التي كان يبشر بها رئيس الحكومة خلال عشرة ايام؟